مخلفات الفكر الجاهلي

لا نحتاج لأدلة و شواهد على استمرار المجتمع الذكوري باستصغار قدر المرأة و التقليل من شأنها خاصة و أن بعض المرضى يعتقدون بآن هناك علاقة طردية بين الرجولة و درجة قمع و فرض السيطرة على المرأة. فكلما تحكمت بها و جعلتها خاضعة كلما كنت فحلاً يضرب بك المثل و طبعا غايتهم تبرر الوسيلة لذلك.

فمرجع هؤلاء بالتعامل مع المرأة هو عادات و تقاليد عاف عليها الدهر، تجاوزها العقلاء و تمسك بها الجهلاء فاستفحلت بهم و أصبحت موروثاً عندهم . و المصيبة أن كل ما يمارسوه من قمع ضد المرأة يوضع تحت عناوين وهمية ك ” الرجولة” أو “الشرف ” أو “الغارية” و يطلق على هذا المجتمع الذكوري المريض بالمجتمع المحافظ، نعم هو محافظ على مخلفات الفكر الجاهلي التي قام بإعادة تدويرها لتناسب عصرنا الحالي و تكون مستدامة للأجيال المسكينة اللاحقة.

و حقيقة أخرى ساهمت بسيادة ذلك الفكر العفن هي خلط مفاهيم الحياء و الأدب و الطاعة و إضافة الصبغة الدينية و تسويقها بما يتلاءم و يخدم ذلك الفكر المتحجر و من ثم تسويقها للمرأة على أن هذا ما يجعلك مرغوبة و شريكة ناجحة. سواء كانت تلك الشراكة مع الأب أو الأخ أو الزوج فكل ما هو مطلوب هو “حاضر” و “إن شاء الله” و كأنهم يقولون لها بصورة غير مباشرة تجردي من انسانيتك و رغباتك و عقلك و عواطفك و كوني فقط “معزة” تتبع راعيها.

لا أكاد أصدق تدخل بعض الرجال في تفاصيل حياة المرأة و كأنها كائن غير سوي لا تدرك ما تفعل. و لن أتحدث عن تدخل بعض الأبناء بحياة أمهاتهم لأن ذلك يشعرني بالغثيان و القرف.

الشراكة الناجحة في الحياة تبنى على الاحترام و التعاون و التفاهم و تكون من منطلق انساني و أخلاقي و ديني صحيح غير مشوه و قانوني عادل و عرفي حسن و كل ما يخدم الارتقاء العلاقة و تكاملها. فعلينا واجبات و لدينا حقوق و مهام لابد من انجازها و لن تتم بأجواء الجاهلية التي نعيشها. خلقنا مكرمين و سنعيش و نموت على ذلك.

ملاحظة: لست بنسوية و لا أتبنى الليبرالية و لا أحسب على المتمردين و لا أحب الدياثة لكن أكره الهمجية و الحيونة.

أيا أرض هوناً…هونا

أيا أرض هوناًهونا

أيا أرض تمهلي و تريثي….

منذ بداية العام و الأرواح تحصد و الأجساد تبلى

ألم تضيق تربتك من التحاف الأجساد؟!…

ألم تصابي بالتخمة؟!…

ألم تشعري بثقل همومنا و أحزاننا؟!…

ألم ترتوي من دموعنا؟!….

ألم تسمعي آهاتنا؟!…

هل تطمعين بالمزيد؟!…

مرضى و موتى و قتلى و جرحى و جياع و أرامل و أيتام….

ماذا بعد؟!…

أيا أرض هوناً…. هونا

أيا أرض كفاك فتكا بنا….

ما لكِ تأكليننا كما تأكل النار الحطب؟!….

ما لكِ تقضين على أرواحنا كما يقضي الماء على الظمأ؟!!!…

أهكذا تروين ترابك بنا؟!…

أهكذا نعود من حيث أتينا؟!…

الآن لنا الفناء و لك البقاء…..

و غدا لنا و لك الفناء و لا وجود للبقاء

كفاك خداعاً لنفسك

هامش الخطأ متاح للجميع ومن الطبيعي أن يقع الجميع في بعض الأخطاء تجاه نفسه أو الآخرين. فممكن اعتبار الخطأ مخالفة للأعراف أو للقوانين الوضعية أو السماوية.

الخلل يبدأ بمرحلة ما بعد الخطأ حينما نشرع بعملية إيجاد الأعذار والمبررات لبعض المخالفات الأدبية أو الأخلاقية التي نمارسها – قد يختلف البعض في تقييمها – وقد نؤثر فيها بالسلب على الآخرين. فكلما اتسعت دائرة الخطأ زاد التأثير وقد يزيد التسويق لهذا الخطأ وتبريره. فأحد الأعذار التي يستهلكها البشر للخروج من دائرة الملامة والنقد ولإثبات أنه كائن حي صالح وغير مقصر هي ” هذا الشي بيني وبين ربي ” أو ” أنت ما تدري أنا شنو أسوي ” فيستغل العلاقة السرية بينه وبين ربه كغطاء وكدلالة على أنه يبذل الخير في السر والخفاء ولا داعي لبيان ذلك. نعم ندرك أن هناك علاقات خاصة يغلب عليها طابع الخصوصية والسرية خاصة الروحانية منها ولك كامل ومطلق الحق بالاحتفاظ وكتمان ما تريد دون مبررات أو شرح.

لكن ألا تدرك أن قوة ومتانة العلاقة مع أي طرف تنعكس على تفكيرك وسلوكك ومعاملتك تجاه هذا الطرف ومع نفسك وأحيانا مع محيطك؟  فكل عمل حسن تقوم به سرا أو علانية وبنية خالصة حتما سيترك أثر إيجابي واضح. فلا تخدع نفسك بجمل وعبارات واهية لتكون حجة على ممارستك لهذا الخطأ. شئت أم أبيت، آمنت أم كفرت ما تقوم به بالسر سينعكس على سلوكك بالعلانية. وإن كنت تشك بذلك فحتما من سيؤكد أو يثبت صحة هذا الأمر هو ضميرك وصوتك الداخلي فهما كالبوصلة والمنبه ما إن أضعت الطريق أرشداك. المهم فيما ذكرت أن تع وتدرك الرابط والعلاقة التكاملية بين عمل السر وأثره في العلانية. فهناك علاقة طردية بين متانة العلاقة وبين ما تقوم به من أجل تلك العلاقة. فليس من المنطقي أن “تخبص” بالعلانية وما إن تنتقد إلا وسردت خطبة عصماء بإنجازاتك وأعمالك الخفية وكأنك رسول خفي.

لا أضع هذه الفكرة كقاعدة للحكم على الآخرين ولا أشجع على إطلاق الأحكام بين الناس لأني أؤمن أن العبرة بالنهاية وكما يقال ” الأمور بخواتيمها “. ما أدعو إليه هو مراجعة الذات والتذكير بأن الخطأ متوقع من الجميع وتبرير الخطأ يمارسه كافة الناس لكن احترم عقلك وعقل من حولك حينما تقرر أن تجد عذر لخطأك ولا تتوقف كثيرا عند مرحلة التبرير وأكمل المسير. وأكرر ما قلته سابقا لا تيأس من نفسك فهناك دائما متسعا من الوقت لإصلاح ما أفسده الدهر.

أصدقائي ” الكشخة “

تنشأ العلاقات الإجتماعية في حياتنا لأسباب إنسانية و تبنى على أساس الاحترام المتبادل. الغريب في بعض البشر أنه يستغل هذه العلاقات لأغراض ال ” كشخة ” ، فتراه حينما يتحدث عن أحد معارفه يحرص على ذكر انتماءات ذلك الصديق العائلية أو الطبقية أو مكانته الاجتماعية كنوع من التباهي و كوجاهة اجتماعية اعتقادا منه أنه بذلك سيصبح من عليّة القوم و من نخبة المجتمع. فيستخدم هذه العلاقة كواجهة أمام المجتمع ليبين أنه ” كشخة “. نعم، هناك علاقات في حياتنا نعتز و نفتخر بها و نحرص عليها لأنها مرتبطة بأشخاص غمرونا بحبهم و رعايتهم و جمعتنا بهم أجمل المواقف و ساندونا بأصعب الظروف. لكن أن تعتز بالعلاقة شيء، و أن ” تتشيحط فيها ” شيء آخر. الانتماءات بكل أنواعها لا تجلب القيمة الحقيقية للشخص و ان جلبتها فهي مؤقتة. باختصار شديد، قيمتك هي عملك. كل واحد فينا ” أبخص ” بنواياه و بأفعاله، قد لا تشعر بسوء العمل لأنك تمارسه لكن ما إن يُمارس عليك حتما ستشعر باحساس سيء و غريب و العديد من علامات الاستفهام. و إن كنت ممن يمارس ذلك السلوك فلا تيأس من نفسك ، فلا يزال هناك متسعاً من الوقت لإصلاح ما أفسده الدهر.

رسول خفي

بين ليلة و ضحاها و بدون مقدمات….

داهمنا رسول خفي من السماء…

تغلغل فينا و بيننا….

فنشبت حرب بيننا…..

و صراع من أجل البقاء…..

أتى بغتة ليوقظنا من سبات عميق….

من انغماس مجنون بدار الفناء…

لم يأت ليميت الأحياء بل ليحيي الموتى….

نعم نحن الموتى….

أتى لعِبرة لا لعَبرة….

طرق أبوابنا كضيف غير مرغوب و مجهول و منبوذ…..

أتى ليسرق الأمل….

ليمطرنا بوابل من الأرق و القلق…..

سلب الرفاهية و الحرية و حقق المساواة …..

أعادنا لذواتنا و لحجمنا الطبيعي….

حينما ندرك علّت وجوده و نصلح ما أفسدناه….

سيبتعد و يتلاشى كل ما تركه في أنفسنا من خوف….

حتى و إن بقي بيننا و فينا….

سنكون وقتها مستعدين و قادرين على المقاومة و الانتصار على أنفسنا و عليه…..

سيظل صدى انتصارنا باقي إلى الأبد….

سواء ظلت أرواحنا أم رحلت إلى الأحد الصمد….

لا رحمة تنزل عليهم و لا غفران

في سبات عميق ينامون…

و على عرش السُلطة و المُلك يتسيدون…

و من أموال الفقراء يبيعون و يشترون…

و بدماء الأبرياء يتلذذون…

و في قصورهم يترنحون…

و يد الأعداء يصافحون…

و للإرهاب و التطرف داعمون…

و في حياكة المؤامرات يتفننون…

و للدينار راكعون و ساجدون…

و لخذلان الحق يسارعون…

و عند المواجهة كالثعابين في جحورهم يختبأون…

و غير جني الأموال لا يحسنون…

ألا أخبركم بشيء أيها المتغطرسون؟؟

نحن الأحرار المقاومون…

نحن لا نخشى الموت و لا الفقر و لا السجون…

نحن من نلتحف الأكفان…

نحن من نقف بوجه الجبان…

نحن من يسندنا الحنّان المنّان…

نحن من يرعانا الرحمن….

نحن من وُعدنا بالنصر المبين…

أمّا أنتم فعنوان للشر و الخذلان…

و أنصار للشيطان….

و لن تجنوا الا الخسران….

فأدعوك يا منزل القرآن…

أن تريهم كيف تتداول الأيام…

و أن تكون نهايتهم بين الخسران المبين و الذل و الهوان…

لا رحمة تنزل عليكم و لا غفران يا عبيد التاج و الدرهم و الدينار…

أبشارة خير هذه أم غضب الجبار؟!

استيقظت من منامي على صوت الأمطار….

هرعت إلى الخارج أتفقد الأخبار….

نظرت إلى السماء مخاطبا لها:”أبشارة خير هذه أم غضب الجبار؟”….

أجابت بامتعاض و انكسار :”إنها دموعي يا إنسان”….

أما اكتفيتم من سفك دماء الأحرار؟….

أما اكتفيتم من قتل هؤلاء الأبرار؟….

ضاقت الجنة ذرعا رغم اتساعها….

امتلأت بطيور أبرياء لا ذنب لهم و لا خيار….

تقبض الملائكة أرواحا من كل الأعمار….

تترقب و تنتظر….

لكن!!! أنتم…نعم أنتم لا ترسلون إلا الأطفال الأطهار….

سئمنا…نعم سئمنا من طغيانكم….

ألا لديكم غير هؤلاء الأخيار؟….

كفاكم عبثاً بأرواحهم ، فغضب الرحمن لا يوقفه ملك و لا سلطان….

بلا كلل و لا ملل حرب بعد حرب ، و جند خلف جند….

أتتنفسون أرواحهم؟؟!! و تشربون دمائهم؟؟!!….

أم

تأكلون أعضاءهم؟؟!! و تفترشون أجسادهم؟؟!!….

أبشر أنتم أم حجر؟؟!!….

أرززقتم قلوباً أم صخر؟؟!!….

الويل ثم الويل لكم على ما أسرفتم….

فعند الواحد القهار ستجزون ما كنتم تعملون أيها الأشرار….

لستُ مسؤولة عن “حيونتك”

تواجهنا الكثير من المشاكل في المجتمع كأفراد ، و كل مشكلة لها جذورها المختلفة. و من يحرص على حل مشاكله يستعرضها أمامه ليحللها و ينقدها ليصل الى السبب الجذري و الحقيقي لها ، أي  يقوم بعمل ما يسمى ب ” Root Cause Analysis ” حتى يتمكن من ايجاد الحل الملائم لمشكلته و هو الأمر الذي يتطلب مجهود ذهني و تفكير عميق. و لأن البعض لا يعي أهمية التفكير و التحليل لمواجهة و حل المشكلات يقوم باختيار الطريق الأسلك و الأسهل و الأسرع و هو القاء اللوم على الآخرين.

أحد المشاكل التي تعاني منها العديد من النساء في مختلف المجتمعات هي التحرش الجنسي بكل أنواعه.فمرارا و تكرارا نرى أصابع الاتهام توجه للمرأة لتتحمل وحدها وزر تلك المشكلة خاصة من بعض المتشددين دينيا تحديدا الدعاة. فالدعاة لا يملون و لا يكلون من تشبيه المرأة تارة بالحلاوة و تارة أخرى باللحمة و ربما غدا بالفحمة. تشبيهاتهم “العبيطة” لا تنتهي و لن تنهي. يعتقد هؤلاء أنّ الحجاب و العباءة هما الحل و أنّ كل إمرأة سافرة و غير مرتدية للعباءة هي الحلاوة التي تجذب “الذباب” أو قطعة اللحم التي تجذب “القطط”.نعم هناك بعض النساء يتفنن بجذب الذباب و القطط لأسباب متعددة ، و هو أمر يدعو للاشمئزاز و القرف. لكن التحرش ليس مقصور عليهن فقط.

إنّ المظهر الخارجي قد يكون أحد الأسباب لمشكلة التحرش و لكنه ليس دائما هو السبب. فمقالة الأستاذة شيماء محمد تحت عنوان “ هل حمت الثورة الإسلامية نساء إيران من التحرش الجنسي؟ “تجيب على تساؤل ان كانت العباءة و الحجاب هما بالفعل الحل الأفضل و الأمثل للقضاء على ظاهرة التحرش .استعرضت الكاتبة ثلاث نماذج لنساء تعرضن للتحرش في مختلف محافظات الجمهورية الإسلامية الإيرانية  و الغريب بالأمر أنهن لم يجدوا من ينصفهن و يحميهن . حيث أكد أستاذ علم الاجتماع الإيراني حسين ظريف على انتشار التحرش الجنسي في الجمهورية الإسلامية بعد الثورة . و أن الزي الاسلامي وحده لم يستطع حمايتهن من المضايقات و التحرش. و كذلك دراسة اخرى اجرتها الباحثة السعودية نورة الزهراني استعرضتها صحيفة عكاظ قبل عامين تشير إلى أن 78% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي المباشر.اذن المشكلة لا تقتصر على زي بل هي أكبر من ذلك.

المشكلة في مجتمع ذكوري يرى أن المرأة هي الحلقة الأضعف و هي الأقل قدرة على الدفاع عن نفسها فلا بأس بأن نجعلها “شماعة” لجزء من مشاكلنا اليومية. المشكلة تكمن ببعض الذكور الذين كرمهم الله تعالى بالانسانية لكن أبوا إلا أن تطغى “حيونتهم” على انسانيتهم. فميزة الإنسان تكمن بقدرته على استخدام عقله لكبح و ضبط رغباته و ترويض نفسه و شهواته. أما عندما يطلق العنان لشهوته لتقوده من الانسانية إلى الحيوانية بكامل رغبته و إرادته فهذه مشكلته بالدرجة الأولى و مشكلة بيئته بالدرجه الثانية التي لم تركز على تعزيز انسانيته و أخلاقه بكل السبل الممكنة بل خلقت له اعذار ل “حيونته” . فإن كان البعض يجد صعوبة في كبح جماح شهواته و يميل للسلوك الحيواني أكثر منه للإنساني فمكانه “القفص” و ليس بين أفراد المجتمع. فيالها من غريزة ” قاعدة على طريف” بانتظار زلة إمرأة.

إن تحصين الذكر بمقولة ” انت شايل عيبك” في مجتمعنا تعطيه الضوء الأخضر لممارسة سلوكيات غير أخلاقية و أحيانا غير انسانية. فعندما يترعرع الذكر بمثل هذه الأجواء و يحاط بمثل تلك الأفكار عندها حتما سيكون أحد نتائجها التحرش. فالأمر أكبر من مظهر إمرأة. إن قلة الوازع الديني و الأخلاقي و الافتقار لمفهوم احترام الآخر و جهل أساسيات التعايش مع البيئات المختلفة و التعامل مع الآخر كإنسان كلها تؤثر سلبا على سلوك الفرد داخل المجتمع.

التحرش و المضايقات مشكلة حقيقية حساسة تتطلب مساعي حقيقية و جهود مكثفة من جميع الأفراد و المؤسسات في المجتمع. فلا نقبل وضع أصابع الاتهام على طرف دون الآخر فالكل مسؤول.لذا أرجو من الدعاة التوقف عن اتهام المرأة و تسطيح الموضوع على مجرد زي و كأن لو ارتدت جميع نساء العالم الحجاب و العباءة ستختفي ظاهرة التحرش. أنصحكم بتقديم دورات لبعض الذكور بعنوان ” كيف تكبح شهوتك و تحافظ على انسانيتك ؟” لأن موضوع الحلاوة و اللحمة لن يجدي نفعا و  لأننا كنساء لسنا مسؤولين عن “حيونتهم”.

يا أيها القاضي

 

العلاقات الإنسانية تتطلب العديد من المبادئ و المهارات للمحافظة عليها و على استقرارها و بقاءها. فالبعض يعتقد أنّ الأصل في العلاقات الإنسانية هي الأبدية أي بأنْ يكون لعلاقاته بداية بلا نهاية . و هناك من يؤمن أنّ طبيعة العلاقات كالأطعمة لها تاريخ صلاحية، تبدأ بيوم و لابد من أن يأتي يوم و تنتهي

الناس نماذج مختلفة و كل فئة لها منظورها الخاص فيها و مفهومها المختلف. هناك نموذج يهتم جدا و يحترم العلاقات الإنسانية و لا يفرط بها بسهولة و يبذل كل ما في وسعه حتى تبقى على قيد الحياة، و في أسوء الحالات يضع العلاقة تحت الدراسة ليعيد رسم حدودها حتى يخرج بأقل الخسائر الممكنة. بينما نموذج آخر يرى أنْ لا بأس بِبَتر بعض العلاقات فالناس “على أفا من يشيل” و إيجاد البديل سهل و الحياة مستمرة لا تقف على أحد

أيّا كان النموذج الذي تنتمي إليه سواء الأول أم الثاني أم نموذج ثالث فلا بأس بذلك. و لا حرج من أنْ تنتقل من نموذج لِآخر حسب ظروفك و نضجك و وعيك. فكل علاقة لها أثر في حياتنا و تجعلنا ندرك الأمور بطريقة مختلفة فهي مسألة وقت فقط لا غير

لنتفق على حقيقة و هي أنّ أيّا كانت طبيعة نظرتك للعلاقات الإنسانية و الإجتماعية بكلا الأحوال دائما نحتاج لبعض المهارات الخاصّة التي تساعدنا في بناء تواصل قوي مع الآخرين و استمرارنا معهم

أحد المتطلبات التي أعتقد من وجهة نظري الشخصية و المتواضعة أنها مهمة لهذا البناء هي “الحيادية” في علاقاتنا، كيف ذلك؟

العلاقات دائما مليئة بالتحديات فهي بين مد و جزر. من منا لم تمر علاقته بالآخرين ببعض ” المطبات” ؟! فهذا الأمر طبيعي للغاية. لكن المشكلة تكمن حينما نعتقد أنّ “الانحياز” لطرف دون الآخر- أحيانا- هو الحل و المركب الذي سيأخذنا إلى بر الأمان

من منا لم يكن طرف ثالث يوما ما؟!.أن تكون طرف ثالث لحل مشكلة ليس بالأمر اليسير ، خاصة و إن كانت تجمعك علاقة طيبة أو سيئة بأحد الأطراف أو كلاهما

من يسعى لإيجاد الحلول هو من يسعى للخير و لمنفعة الجميع لذا لابد من أنْ يكون حيادي و لا ينحاز لطرف و يظلم الآخر و لابد كذلك من أن يتجرد من مشاعره و عاطفته “مؤقتا”. ففي هذا الوقت تحديدا و في هذا الموقف يكون الطرف الثالث “كالقاضي” الذي لابد له من أن يجتهد و ينصف الآخرين بحكمه. فعندما تحكم بعقلانية-مجرد من العواطف- تكون أنصفت المظلوم و نبهت المخطئ على سلوكه. فهل تساءلت يوما “يا أيها القاضي” كم من مرة حكمت فيها فأصبت؟! و كم من مرة حكمت فيها فظلمت؟! هل مطرقة حكمك سليمة أم بها اعوجاج؟

البعض يعتقد أنّ “الانحياز” دليل محبة أحيانا و هذا خطأ كبير و فادح. فهو مثل الذي يرى حبيبه في نفق مظلم فيتركه في ذلك النفق متعلّلا بحمايته

الحب و الاهتمام يكون بأخذ يد الحبيب و انتشاله من وحل الأخطاء و مساندته لتجاوز كل الصعاب و التحديات و توجيهه و دفعه باتجاه مواجهة اخفاقاته لإصلاحها

أما أن تنحاز للمخطئ و أنت تدرك تماما أنه على خطأ فهذا أمر يدعوا للشفقة و الأفضل هو الابتعاد عن هذا الدور حتى لا تظلم نفسك و الآخرين. فابتعادك أو هروبك -أحيانا- مخافة ظلم أحد أمر جدير بالاحترام. فلا تخذل من أنت قادر على نصرته

 انحيازك “يا أيها القاضي” بحد ذاته مشكلة تتطلب الحل. لذا من الأفضل أن تجتهد بحل مشكلتك قبل أنْ “تودّر” الآخرين. فكم  علاقة أَنهيت أو كم شرخا أَحدثت بسبب انحيازك؟!. تذكر دائما أن لكل زرع يوم حصاد، فاجتهد اليوم بزرع ما تحب أن تستمتع بحصاده غدا و “خلك دايما محضر خير”. و كلما هممت بطرق مطرقة الحكم استرجع قوله تعالى: ” يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ…(38) ” سورة ص

كتاب أنصح بقراءته 1

 يتطرق الكاتب في كتابه -المكون من 248 صفحة-الىكيفية و أهمية انجاح العلاقات الانسانية و ما هي الأسس التي تساعدنا على بناء مثل تلك العلاقات من منظور اجتماعي و شرعي و بالتالي نحافظ على بقاء تلك العلاقات لتكون أبدية لا مؤقته ، و لتكون مصدر راحة لا عناء و مشقة. ا

ينقسم الكتاب لثلاثة فصول ، فالفصل الأول يتناول موضوع طبيعة الفرد و المجتمعات بشكل عام و فكرة التعايش فيها . ثم ينتقل بالفصل الثاني للتحدث حول الضوابط و الحدود الفردية و يختمها بالفصل الأخير للتطرق الى الضوابط و الحدود الإجتماعية.ا

استفدت كثيرا من قراءتي لمثل هذا الكتاب و تغيرت نظرتي لبعض الأمور. بعض الأفكار تحتاج للتدريب لتغيير بعض العادات السلوكية حتى نتمكن من تطوير بعض مهاراتنا في التواصل و التعايش مع الآخرين.ا
WIN_20170807_01_37_20_Pro