العلاقات الإنسانية تتطلب العديد من المبادئ و المهارات للمحافظة عليها و على استقرارها و بقاءها. فالبعض يعتقد أنّ الأصل في العلاقات الإنسانية هي الأبدية أي بأنْ يكون لعلاقاته بداية بلا نهاية . و هناك من يؤمن أنّ طبيعة العلاقات كالأطعمة لها تاريخ صلاحية، تبدأ بيوم و لابد من أن يأتي يوم و تنتهي
الناس نماذج مختلفة و كل فئة لها منظورها الخاص فيها و مفهومها المختلف. هناك نموذج يهتم جدا و يحترم العلاقات الإنسانية و لا يفرط بها بسهولة و يبذل كل ما في وسعه حتى تبقى على قيد الحياة، و في أسوء الحالات يضع العلاقة تحت الدراسة ليعيد رسم حدودها حتى يخرج بأقل الخسائر الممكنة. بينما نموذج آخر يرى أنْ لا بأس بِبَتر بعض العلاقات فالناس “على أفا من يشيل” و إيجاد البديل سهل و الحياة مستمرة لا تقف على أحد
أيّا كان النموذج الذي تنتمي إليه سواء الأول أم الثاني أم نموذج ثالث فلا بأس بذلك. و لا حرج من أنْ تنتقل من نموذج لِآخر حسب ظروفك و نضجك و وعيك. فكل علاقة لها أثر في حياتنا و تجعلنا ندرك الأمور بطريقة مختلفة فهي مسألة وقت فقط لا غير
لنتفق على حقيقة و هي أنّ أيّا كانت طبيعة نظرتك للعلاقات الإنسانية و الإجتماعية بكلا الأحوال دائما نحتاج لبعض المهارات الخاصّة التي تساعدنا في بناء تواصل قوي مع الآخرين و استمرارنا معهم
أحد المتطلبات التي أعتقد من وجهة نظري الشخصية و المتواضعة أنها مهمة لهذا البناء هي “الحيادية” في علاقاتنا، كيف ذلك؟
العلاقات دائما مليئة بالتحديات فهي بين مد و جزر. من منا لم تمر علاقته بالآخرين ببعض ” المطبات” ؟! فهذا الأمر طبيعي للغاية. لكن المشكلة تكمن حينما نعتقد أنّ “الانحياز” لطرف دون الآخر- أحيانا- هو الحل و المركب الذي سيأخذنا إلى بر الأمان
من منا لم يكن طرف ثالث يوما ما؟!.أن تكون طرف ثالث لحل مشكلة ليس بالأمر اليسير ، خاصة و إن كانت تجمعك علاقة طيبة أو سيئة بأحد الأطراف أو كلاهما
من يسعى لإيجاد الحلول هو من يسعى للخير و لمنفعة الجميع لذا لابد من أنْ يكون حيادي و لا ينحاز لطرف و يظلم الآخر و لابد كذلك من أن يتجرد من مشاعره و عاطفته “مؤقتا”. ففي هذا الوقت تحديدا و في هذا الموقف يكون الطرف الثالث “كالقاضي” الذي لابد له من أن يجتهد و ينصف الآخرين بحكمه. فعندما تحكم بعقلانية-مجرد من العواطف- تكون أنصفت المظلوم و نبهت المخطئ على سلوكه. فهل تساءلت يوما “يا أيها القاضي” كم من مرة حكمت فيها فأصبت؟! و كم من مرة حكمت فيها فظلمت؟! هل مطرقة حكمك سليمة أم بها اعوجاج؟
البعض يعتقد أنّ “الانحياز” دليل محبة أحيانا و هذا خطأ كبير و فادح. فهو مثل الذي يرى حبيبه في نفق مظلم فيتركه في ذلك النفق متعلّلا بحمايته
الحب و الاهتمام يكون بأخذ يد الحبيب و انتشاله من وحل الأخطاء و مساندته لتجاوز كل الصعاب و التحديات و توجيهه و دفعه باتجاه مواجهة اخفاقاته لإصلاحها
أما أن تنحاز للمخطئ و أنت تدرك تماما أنه على خطأ فهذا أمر يدعوا للشفقة و الأفضل هو الابتعاد عن هذا الدور حتى لا تظلم نفسك و الآخرين. فابتعادك أو هروبك -أحيانا- مخافة ظلم أحد أمر جدير بالاحترام. فلا تخذل من أنت قادر على نصرته
انحيازك “يا أيها القاضي” بحد ذاته مشكلة تتطلب الحل. لذا من الأفضل أن تجتهد بحل مشكلتك قبل أنْ “تودّر” الآخرين. فكم علاقة أَنهيت أو كم شرخا أَحدثت بسبب انحيازك؟!. تذكر دائما أن لكل زرع يوم حصاد، فاجتهد اليوم بزرع ما تحب أن تستمتع بحصاده غدا و “خلك دايما محضر خير”. و كلما هممت بطرق مطرقة الحكم استرجع قوله تعالى: ” يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ…(38) ” سورة ص