لستُ مسؤولة عن “حيونتك”

تواجهنا الكثير من المشاكل في المجتمع كأفراد ، و كل مشكلة لها جذورها المختلفة. و من يحرص على حل مشاكله يستعرضها أمامه ليحللها و ينقدها ليصل الى السبب الجذري و الحقيقي لها ، أي  يقوم بعمل ما يسمى ب ” Root Cause Analysis ” حتى يتمكن من ايجاد الحل الملائم لمشكلته و هو الأمر الذي يتطلب مجهود ذهني و تفكير عميق. و لأن البعض لا يعي أهمية التفكير و التحليل لمواجهة و حل المشكلات يقوم باختيار الطريق الأسلك و الأسهل و الأسرع و هو القاء اللوم على الآخرين.

أحد المشاكل التي تعاني منها العديد من النساء في مختلف المجتمعات هي التحرش الجنسي بكل أنواعه.فمرارا و تكرارا نرى أصابع الاتهام توجه للمرأة لتتحمل وحدها وزر تلك المشكلة خاصة من بعض المتشددين دينيا تحديدا الدعاة. فالدعاة لا يملون و لا يكلون من تشبيه المرأة تارة بالحلاوة و تارة أخرى باللحمة و ربما غدا بالفحمة. تشبيهاتهم “العبيطة” لا تنتهي و لن تنهي. يعتقد هؤلاء أنّ الحجاب و العباءة هما الحل و أنّ كل إمرأة سافرة و غير مرتدية للعباءة هي الحلاوة التي تجذب “الذباب” أو قطعة اللحم التي تجذب “القطط”.نعم هناك بعض النساء يتفنن بجذب الذباب و القطط لأسباب متعددة ، و هو أمر يدعو للاشمئزاز و القرف. لكن التحرش ليس مقصور عليهن فقط.

إنّ المظهر الخارجي قد يكون أحد الأسباب لمشكلة التحرش و لكنه ليس دائما هو السبب. فمقالة الأستاذة شيماء محمد تحت عنوان “ هل حمت الثورة الإسلامية نساء إيران من التحرش الجنسي؟ “تجيب على تساؤل ان كانت العباءة و الحجاب هما بالفعل الحل الأفضل و الأمثل للقضاء على ظاهرة التحرش .استعرضت الكاتبة ثلاث نماذج لنساء تعرضن للتحرش في مختلف محافظات الجمهورية الإسلامية الإيرانية  و الغريب بالأمر أنهن لم يجدوا من ينصفهن و يحميهن . حيث أكد أستاذ علم الاجتماع الإيراني حسين ظريف على انتشار التحرش الجنسي في الجمهورية الإسلامية بعد الثورة . و أن الزي الاسلامي وحده لم يستطع حمايتهن من المضايقات و التحرش. و كذلك دراسة اخرى اجرتها الباحثة السعودية نورة الزهراني استعرضتها صحيفة عكاظ قبل عامين تشير إلى أن 78% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي المباشر.اذن المشكلة لا تقتصر على زي بل هي أكبر من ذلك.

المشكلة في مجتمع ذكوري يرى أن المرأة هي الحلقة الأضعف و هي الأقل قدرة على الدفاع عن نفسها فلا بأس بأن نجعلها “شماعة” لجزء من مشاكلنا اليومية. المشكلة تكمن ببعض الذكور الذين كرمهم الله تعالى بالانسانية لكن أبوا إلا أن تطغى “حيونتهم” على انسانيتهم. فميزة الإنسان تكمن بقدرته على استخدام عقله لكبح و ضبط رغباته و ترويض نفسه و شهواته. أما عندما يطلق العنان لشهوته لتقوده من الانسانية إلى الحيوانية بكامل رغبته و إرادته فهذه مشكلته بالدرجة الأولى و مشكلة بيئته بالدرجه الثانية التي لم تركز على تعزيز انسانيته و أخلاقه بكل السبل الممكنة بل خلقت له اعذار ل “حيونته” . فإن كان البعض يجد صعوبة في كبح جماح شهواته و يميل للسلوك الحيواني أكثر منه للإنساني فمكانه “القفص” و ليس بين أفراد المجتمع. فيالها من غريزة ” قاعدة على طريف” بانتظار زلة إمرأة.

إن تحصين الذكر بمقولة ” انت شايل عيبك” في مجتمعنا تعطيه الضوء الأخضر لممارسة سلوكيات غير أخلاقية و أحيانا غير انسانية. فعندما يترعرع الذكر بمثل هذه الأجواء و يحاط بمثل تلك الأفكار عندها حتما سيكون أحد نتائجها التحرش. فالأمر أكبر من مظهر إمرأة. إن قلة الوازع الديني و الأخلاقي و الافتقار لمفهوم احترام الآخر و جهل أساسيات التعايش مع البيئات المختلفة و التعامل مع الآخر كإنسان كلها تؤثر سلبا على سلوك الفرد داخل المجتمع.

التحرش و المضايقات مشكلة حقيقية حساسة تتطلب مساعي حقيقية و جهود مكثفة من جميع الأفراد و المؤسسات في المجتمع. فلا نقبل وضع أصابع الاتهام على طرف دون الآخر فالكل مسؤول.لذا أرجو من الدعاة التوقف عن اتهام المرأة و تسطيح الموضوع على مجرد زي و كأن لو ارتدت جميع نساء العالم الحجاب و العباءة ستختفي ظاهرة التحرش. أنصحكم بتقديم دورات لبعض الذكور بعنوان ” كيف تكبح شهوتك و تحافظ على انسانيتك ؟” لأن موضوع الحلاوة و اللحمة لن يجدي نفعا و  لأننا كنساء لسنا مسؤولين عن “حيونتهم”.